كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن عباس: لا يفقهون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم واستشكل بقولهم: {قالوا يا ذا القرنين} وأجيب بأنه تكلم عنهم مترجم ممن هو مجاورهم ويفهم كلامهم {إن يأجوج ومأجوج} وهما اسمان أعجميان لقبيلتين فلم ينصرفا، وقرأ عاصم بهمزة ساكنة بعد الياء والميم والباقون بالألف فيهما وهما لغتان أصلهما من أجيج النار وهو ضوءها وشررها شبهوا به لكثرتهم وشدتهم وهم من أولاد يافث بن نوح عليه السلام، قال الضحاك: هم جيل من الترك، قال السدي: الترك سرية من يأجوج ومأجوج خرجت فضرب ذو القرنين السدّ فبقيت خارجة فجميع الترك منهم، وعن قتادة أنهم اثنان وعشرون قبيلة بنى ذو القرنين السدّ على إحدى وعشرين قبيلة وبقيت قبيلة واحدة فهم الترك سموا الترك لأنهم تركوا خارجين، قال: أهل التواريخ أولاد نوح عليه السلام ثلاثة: سام وحام ويافث، فسام أبو العرب والعجم والروم، وحام أبو الحبشة والزنج والنوبة، ويافث أبو الترك والخزر والصقالبة ويأجوج ومأجوج، وقال ابن عباس في رواية عطاء هم عشرة أجزاء وولد آدم كلهم جزء، وروي عن حذيفة مرفوعًا أن يأجوج أمة ومأجوج أمة وكل أمة أربعمائة ألف أمة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح وهم من ولد آدم يسيرون في خراب الأرض، وقال: هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز شجر بالشام طوله عشرون ومائة ذراع في السماء، وصنف منهم طوله وعرضه سواء عشرون ومائة وهؤلاء لا تقوم لهم الجبال ولا الحديد، وصنف منهم يفرش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ومن مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية، ومنهم أن ثبت لهم مخالب في أظفارهم وأضراسهم كأضراس السباع، وعن علي رضي اللّه تعالى عنه أنه قال: منهم من طوله شبر ومنهم من هو مفرط في الطول، وقال كعب: هم نادرة في ولد آدم وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب فخلق اللّه من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم يتصلون بنا من جهة الأب دون الأم، وذكر وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلًا من الروم ابن عجوز فلما بلغ كان عبدًا صالحًا قال اللّه تعالى: إني باعثك إلى أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما طول الأرض إحداهما عند مغرب الشمس يقال لها ناسك، والأخرى عند مطلعها يقال لها منسك وأمتان بينهما عرض الأرض إحداهما في القطر الأيمن يقال لها: هاويل والأخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها: ناويل وأمم في وسط الأرض منهم الجن والأنس ويأجوج ومأجوج، فقال ذو القرنين: بأي قوة أكاثرهم وبأي لسان أناطقهم، قال اللّه تعالى: إني سأطوقك وأبسط لك لسانك وأشد عضدك فلا يهولنك شيء وألبسك الهيبة فلا يروعنك شيء وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما من جنودك يهديك النور من أمامك وتحفظك الظلمة من ورائك فانطلق حتى أتي مغرب الشمس فوجد جمعًا وعددًا لا يحصيه إلا اللّه تعالى فكاثرهم بالظلمة حتى جمعهم في مكان واحد فدعاهم إلى اللّه تعالى وإلى عبادته فمنهم من آمن ومنهم من كفر ومنهم من صدّ عنه فعمد إلى الذين تولوا عنه وأدخل عليهم الظلمة فدخلت أجوافهم وبيوتهم فدخلوا في دعوته، فجند من أهل المغرب جندًا عظيمًا فانطلق يقودهم والظلمة تسوقهم حتى أتى هاويل فعمل فيهم كعمله في ناسك ثم مضى حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس فعمل فيها وجند منها جنودًا كفعله في الأمتين ثم أخذ بناحية الأرض اليسرى فأتى ناويل فعمل فيها كعمله فيما قبلها ثم عمد إلى الأمم التي وسط الأرض فلما كان مما يلي منقطع الترك نحو المشرق قالت له أمة صالحة من الإنس: يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقًا أشباه البهائم أي: وهم يأجوج ومأجوج {مفسدون في الأرض} يفترسون الدواب والوحوش والسباع ويأكلون الحيات والعقارب وكل ذي روح خلقه اللّه في الأرض وليس يزداد خلق كزيادتهم فلا يشك أنهم سيملكون الأرض ويظهرون عليها ويفسدون فيها، وقال الكلبي: فسادهم أنهم كانوا يخرجون أيام الربيع إلى أرضهم فلا يدعون فيها شيئًا أخضر إلا أكلوه ولا يابسًا إلا احتملوه وأدخلوه أرضهم وقد بالغوا ولقوا منهم أذى شديدًا وقتلًا، وقيل: فسادهم أنهم كانوا يأكلون الناس، وقيل: معناه أنهم سيفسدون في الأرض بعد خروجهم {فهل نجعل لك خرجًا} أي: جعلا من المال، وقرأ حمزة والكسائى بفتح الراء وألف بعدها والباقون بسكون الراء ولا ألف بعدها فقيل: هما بمعنى، وقيل: الخرج ما تبرّعت به والخراج ما لزمك {على أن تجعل} في جميع ما {بيننا وبينهم} من الأرض التي يمكن توصلهم إلينا منها بما آتاك اللّه من المكنة {سدًّا} أي: حاجزًا بين هذين الجبلين فلا يصلون إلينا، وقرأ نافع وابن عامر وشعبة برفع السين والباقون بالنصب، {قال} لهم ذو القرنين {ما مكّنى فيه ربي} أي: المحسن إليّ مما ترونه من الأموال والرجال والتوصل إلى جميع الممكن للمخلوق {خير} من خراجكم الذي تريدون بذله كما قال سليمان عليه السلام: {فما آتاني اللّه خير مما آتاكم} [النمل]، وقرأ ابن كثير بنون مفتوحة بعد الكاف وبعدها نون مكسورة والباقون بنون واحدة مكسورة مشدّدة {فأعينوني بقوّة} أي: أني لا أريد المال بل أعينوني بأيديكم وقوّتكم وبالآلات التي أتقوّى بها في فعل ذلك فإن ما معي إنما هو للقتال وما يكون من أسبابه لا لمثل هذا {أجعل بينكم} أي: بين ما تحتصون به {وبينهم ردمًا} أي: حاجزًا حصينًا موثقًا بعضه فوق بعض من التلاصق والتلاحم وهو أعظم من السد من قولهم ثوب ردم إذا كان رقاعاِ فوق رقاع قالوا: وما تلك القوة؟ قال: فعلة وصناع يحسنون البناء، قالوا: وما تلك الآلات؟ قال: {آتوني} أي: أعطوني {زبر الحديد} أي: قطعة وهو جمع زبرة كغرفة وغرف، قال الخليل: الزبرة من الحديد القطعة الضخمة فأتوه به وبالحطب حفر له الأساس حتى بلغ الماء وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينها الحطب والفحم {حتى إذا ساوى} أي: بذلك البناء {بين الصدفين} أي: بين جانبي الجبلين أي: سوى بين طرفي الجبلين سميا بذلك لأنهما يتصادفان أي: يتقابلان من قولهم: صادفت الرجل لاقيته وقابلته، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر برفع الصاد والدال وشعبة برفع الصاد وسكون الدال والباقون بنصب الصاد والدال، ثم وضع المنافخ وأطلق النار في الحطب والفحم و{قال} أي: للعملة {انفخوا} فنفخوا {حتى إذا جعله} أي: الحديد {نارًا} أي: كالنار {قال آتوني} أي: أعطوني {أفرغ عليه قطرًا} أي: أصب النحاس المذاب على الحديد المحمى فصبه عليه فدخل في خلال الحديد مكان الحطب لأن النار أكلت الحطب حتى لزم الحديد النحاس فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلًا صلدًا، قال الزمخشري: قيل ما بين السدين مائة فرسخ، وروي أن عرضه كان خمسين ذراعًا وارتفاعه مائتي ذراع، وعن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلًا-وفي رواية عن رجل من أهل المدينة- قال: يا رسول اللّه قد رأيت سد يأجوج ومأجوج قال: «انعته لي» قال: كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء. وهذه معجزة عظيمة إن كان نبيا أو كرامة إن لم يكن؛ لأنّ هذه الزبرة الكبيرة إذا نفخ عليها حتى صارت كالنار لم يقدر الحيوان أن يقرب منها والنفخ عليها لا يكون إلا بالقرب منها فكأنه تعالى صرف تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك النافخين عليها حتى تمكنوا من العمل فيها.
تنبيه:
قطرًا هو المتنازع فيه وهذه الآية أشهر أمثلة النحاة في باب التنازع وبها تمسك البصريون على أن أعمال الثاني من العاملين المتوجهين نحو معمول واحد أولى إذ لو كان قطرًا مفعول آتوني لأضمر مفعول أفرغ حذرًا من الإلباس، ثم قال تعالى: {فما} أي: فتسبب عن ذلك أنه لما أكمل عمل الردم وأحكمه ما {اسطاعوا} أي: يأجوج ومأجوج وغيرهم {أن يظهروه} أي: يعلوا ظهره لعلوّه وملاسته، وقرأ حمزة بتشديد الظاء والباقون بالتخفيف {وما استطاعوا له نقبًا} أي: خرقًا لصلابته وسمكه وزيادة التاء هنا تدل على أنّ العلوّ عليه أصعب من نقبه لارتفاعه وصلابته والتحام بعضه ببعض حتى صار سبيكة واحدة من حديد ونحاس في علوّ الجبل فإنهم ولو احتالوا ببناء درج من جانبهم أو وضع تراب حتى ظهروا عليه لم ينفعهم ذلك لأنهم لا حيلة لهم على النزول من الجانب الآخر، ويؤيده أنهم إنما يخرجون في آخر الزمان بنقبه لا بظهورهم عليه ولا ينافي نفي الاستطاعة لنقبه ما رواه الإمام أحمد والترمذي في التفسير وابن ماجه في الفتن عن أبي رافع عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا فيعودون إليه كأشدّ ما كان حتى إذا بلغت مدّتهم وأراد اللّه تعالى أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا إن شاء اللّه تعالى فيستثني فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس» الحديث، وفي حديث الصحيحين عن زينب بنت جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وروياه عن أبي هريرة وفيه مثل هذا وعقد تسعين لأن هذا في آخر الزمان، ثم إنه قيل فما قال حين فراغه قيل:
{قال هذا} أي: السد يعني الإقدار عليه {رحمة} أي: نعمة {من ربي} أي: المحسن إليّ بإقداري عليه ومنع العادية {فإذا جاء وعد ربي} بقرب قيام الساعة أو بوقت خروجهم {جعله دكًا} أي: مدكوكًا مبسوطًا، روي أنهم يخرجون على الناس فيتبعون المياه ويتحصن الناس في حصونهم منهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون: قهرنا من في الأرض وعلونا من في السماء قسوة وعلوًا، فيبعث اللّه تعالى عليهم نغفًا في رقابهم، وفي رواية في آذانهم فيهلكون، قال صلى الله عليه وسلم: «فو الذي نفسي بيده إنّ دواب الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم شكرًا» أخرجه الترمذي، قوله قسوة وعلوًا أي: غلظة وفظاظة وتكبرًا، والنغف دود يخرج في أنوف الإبل والغنم، وقوله: وتشكر من لحومهم شكرًا يقال: شكرت الشاة شكرًا حين امتلأ ضرعها لبنًا، والمعنى أنها تمتلئ أجسادها لحمًا وتسمن، وعن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة من النخل فلما رحلنا إليه عرف ذلك فينا فقال: ما شأنكم قلنا: يا رسول اللّه ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال: غير الدجال أخوفني عليكم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه واللّه خليفتي على كل مسلم وإنه شاب قطط أي: شديد الجعودة، وقيل: حسن الجعودة عينه طافية أي: بارزة، وقيل: مخسوفة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف إنه خارج من حلة بين الشام والعراق فعاث أي: أفسد يمينًا وعاث شمالًا يا عباد اللّه فاثبتوا قلنا: يا رسول اللّه وما مكثه في الأرض قال: أربعون يومًا يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيام كأيامكم قلنا: يا رسول اللّه فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا أقدروا له قدره أي: واليوم الثاني والثالث كذلك، وسكت عن ذلك للعلم به من الأوّل، قلنا: يا رسول اللّه وما إسراعه في الأرض قال: كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت وتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت درًّا واسعة ضروعها وأملأها خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردّون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمرّ بالخربة فيقول لها: أخرجي كنزك فيتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلًا ممتلئًا شابًا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك فبينما هو كذلك إذ بعث اللّه المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء في دمشق بين مهرودتين أي: حلتين واضعًا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه حتى يدركه بباب لد قرية بالشام قريبة من الرملة فيقتله ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم اللّه منه فيمسح عن وجوههم ويخبرهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى اللّه تعالى إلى عيسى عليه السلام إني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم فجوّز عبادي إلى الطور ويبعث يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمرّ أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمرّ آخرهم فيقول: لقد كان بهذه مرّة ماء ويحصر نبي اللّه وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي اللّه عيسى وأصحابه إلى اللّه تعالى فيرسل اللّه تعالى عليهم النغف في رقابهم وهو بالتحريك دود يكون في أنوف الإبل والغنم كما مرّ واحدتها نغفة فيصبحون فرسًا أي: قتلى الواحد فريس، ثم يهبط نبي اللّه عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه رممهم ونتنهم فيرغب نبيّ اللّه عيسى وأصحابه إلى اللّه فيرسل اللّه تعالى عليهم طيرًا كأعناق البخت فتحملهم حيث شاء اللّه تعالى، ثم يرسل اللّه تعالى مطرًا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة وهي بالتحريك جمعها زلف مصانع الماء، ويجمع على المزالف أيضًا أي: فتصير الأرض كأنها مصنعة من مصانع الماء، وقيل كالمرآة، وقيل الزلفة الروضة، وقيل بالقاف أيضًا ثم يقال للأرض انبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل وهو بتحريك الراء والسين من الإبل والغنم من عشرة إلى خمسة وعشرين حتى أن اللقحة من الأبل لتكفي الفئام من الناس وهو مهموز الجماعة الكثيرة واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث اللّه تعالى عليهم ريحًا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيهاتهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة {وكان وعد ربي} الذي وعد به في خروج يأجوج ومأجوج وإحراقهم الأرض وإفسادهم لها قرب قيام الساعة {حقًا} كائنًا لا محالة فلذلك أعان تعالى على هدمه. هذا آخر حكاية ذي القرنين. وفي القصة أن ذا القرنين دخل الظلمة فلما رجع توفي بشيرزور وذكر بعضهم أنّ عمره كان نيفًا وثلاثين سنة، سبحان من يدوم عزه وبقاؤه، ثم إنه تعالى قال عاطفًا على ما تقديره فقد بان أمر ذي القرنين أيّ بيان وصدق في قوله فإذا جاء وعد ربي فإنه إذا جاء وعدنا جعلناه بقدرتنا التي نؤتيها ليأجوج ومأجوج دكًا فأخرجناهم على الناس بعد خروج الدجال {وتركنا بعضهم} أي: يأجوج ومأجوج {يومئذٍ} أي: حين يخرجون {يموج} أي: يضطرب {في بعض} كموج البحر أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى ويؤيده {ونفخ في الصور} أي: القرن النفخة الثانية لقوله تعالى: {فجمعناهم} أي: الخلائق في مكان واحد يوم القيامة، قال البقاعي: ويجوز أن تكون هذه الفاء فاء الفصيحة فيكون المراد النفخة الأولى أي: ونفخ فمات الخلائق كلهم فبليت أجسامهم وتفتت عظامهم كما كان من تقدّمهم، ثم نفخ الثانية فجمعناهم من التراب بعد تمزقهم فيه وتفرّقهم في أقطار الأرض بالسيول والرياح وغير ذلك {جمعًا} فأمتناهم دفعة واحدة كلمح البصر وحشرناهم إلى الموقف للحساب ثم للثواب والعقاب، {وعرضنا} أي: أظهرنا {جهنم يومئذٍ} أي: إذ جمعناهم لذلك {للكافرين عرضًا} ظاهرة لهم بكل ما فيها من الأهوال وهم لا يجدون لهم عنها مصرفًا. ثم وصفهم بما أوجب لهم ذلك بقوله تعالى: {الذين كانت} كونًا كأنه جبلة لهم {أعينهم} وهو بدل من الكافرين {في غطاء عن ذكري} أي: عن القرآن فهم لا يهتدون به وعما جعلنا على الأرض من زينة دليلًا على الساعة بإفنائه ثم إحيائه وإعادته بعد إبداده {وكانوا} بما جعلناهم عليه {لا يستطيعون سمعًا} أي: لا يقدرون أن يسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم ما يتلو عليهم بغضاله فلا يؤمنون به. ولما بيّن تعالى أمر الكافرين أنهم أعرضوا عن الذكر وعن استماع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أتبعه بقوله تعالى: {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي} من الأحياء كالملائكة وعزير والمسيح والأموات كالأصنام {من دوني} وقوله تعالى: {أولياء} أي: أربابًا مفعول ثان ليتخذوا، والمفعول الثاني لحسب محذوف والمعنى أظنوا أنّ الاتخاذ المذكور ينفعهم ولا يغضبني ولا أعاقبهم عليه كلا، وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بسكونها وهم على مراتبهم في المدّ. ولما كان معنى الاستفهام الإنكاري ليس الأمر كذلك حسن جدًا قوله تعالى مؤكدًا لأجل إنكارهم {إنا أعتدنا جهنم} التي تقدم أنا عرضناها لهم {للكافرين} أي: هؤلاء وغيرهم {نزلًا} أي: هي معدة لهم كالمنزل المعد للضعيف وهذا على سبيل التهكم ونظيره قوله تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم} [آل عمران].
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أعمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحياةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أولئك الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَآئِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فـلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ذَالِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا ءَايَاتِى وَرُسُلِى هُزُوًا إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَآ الهكُمْ إله وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا}.
ثم ذكر تعالى ما فيه تنبيه على جهل القوم فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم.
{قل} لهم {هل ننبئكم} أي: نخبركم وأدغم الكسائي لام هل في النون والباقون بالإظهار {بالأخسرين أعمالًا} أي: الذين أتعبوا أنفسهم في عمل يرجون به فضلًا ونوالًا فنالوا هلاكًا وبوارًا، واختلفوا فيهم فقال ابن عباس وسعد بن أبي وقاص: هم اليهود والنصارى وهو قول مجاهد، قال سعد بن أبي وقاص: أما اليهود فكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وأما النصارى فكفروا بالجنة فقالوا: لا طعام فيها ولا شراب انتهى. قال البقاعي: وكذا قال اليهود لأن الفريقين أنكروا الحشر الجسماني وخصوه بالروحاني، وقيل: هم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في الصوامع.